الركود التضخمي: شبح يطارد الاقتصاد.. كيف تنجح في التغلب عليه؟
الركود التضخمي: شبح يطارد الاقتصاد.. كيف تنجح في التغلب عليه؟

الركود التضخمي: شبح يطارد الاقتصاد.. كيف تنجح في التغلب عليه؟
يواجه المستهلكون المنهكون، الذين يعانون بالفعل من ارتفاع الأسعار، خطراً محتملاً إضافياً
ويُشير مصطلح "الركود التضخمي" إلى حالة اقتصادية تتسم بارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، وهي مزيج مقلق قد يلوح في الأفق، وفقاً لعدد من خبراء الاقتصاد.
وقال بريت هاوس، أستاذ الممارسة المهنية في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال: "إنّ سياسات الرسوم الجمركية التي تتبناها إدارة ترامب زادت بالتأكيد من خطر ارتفاع التضخم وتراجع النمو معاً".
ووفقاً لأحدث تقرير من CNBC Rapid Update، الذي يُعد متوسطاً لتوقعات 14 خبيراً اقتصادياً، فإنّ سياسات ترامب التجارية تُغذّي بيئة اقتصادية شبيهة بالركود التضخمي.
من جانبه، قال غريغ داكو، كبير الاقتصاديين في "EY Parthenon" ونائب رئيس "الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال": "إنه خطر أكثر وضوحاً مما كان عليه في أي وقت خلال الأربعين عاماً الماضية".
ورأت ديان سونك، كبيرة الاقتصاديين في شركة KPMG، أنّ حالة عدم اليقين بدأت بالفعل تنعكس على ثقة المستهلكين، مضيفة: "نشهد بالفعل مؤشرات على حالة الركود التضخمي، حيث يشعر الناس بعدم الأمان الوظيفي، ويزداد قلقهم من التضخم القادم".
ما الذي قد يعنيه "الركود التضخمي" في اقتصاد اليوم؟
كان الركود التضخمي أزمة رئيسية في الاقتصاد الأميركي خلال سبعينيات القرن الماضي، حين ارتفعت معدلات البطالة والتضخم في آنٍ معاً، وسط أعباء مالية ثقيلة فرضتها حرب فيتنام وخسارة ملايين الوظائف في قطاع التصنيع.
وغالباً ما يُربط الركود التضخمي في تلك الفترة بارتفاع أسعار النفط بشكل حاد، ما أدى إلى نقص الإمدادات وظهور طوابير طويلة أمام محطات الوقود. غير أنّ بعض الاقتصاديين يرون أنّ الاضطرابات النقدية، وليس فقط صدمات النفط، كانت السبب الجوهري وراء تلك الأزمة.
شاهد أيضاً: الاقتصاد الأميركي على مشارف معضلة الركود التضخمي
وقد دفعت هذه الظروف رئيس الفدرالي الأميركي حينها، بول فولكر، إلى تبنّي سياسة نقدية صارمة عُرفت لاحقاً باسم "صدمة فولكر"، وذلك في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات.
ورغم أنّ رفع معدلات الفائدة بشكل حاد ساعد في كبح جماح التضخم، إلا أنّ هذه الخطوة أدت أيضاً إلى ركود اقتصادي حاد —يُعرّف غالباً بحدوث انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين— فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 10%.
هل يتكرّر الركود التضخمي؟ مراقبون يستبعدون تكرار سيناريو السبعينيات
يرى دان سكالي، رئيس وحدة أبحاث السوق في إدارة الثروات لدى "مورغان ستانلي"، أنّ الركود التضخمي لن يحدث بالطريقة نفسها التي شهدها الاقتصاد الأميركي في سبعينيات القرن الماضي.
وأوضح سكالي أنّ الولايات المتحدة لم تعد خاضعة لهيمنة النفط الأجنبي كما كانت سابقاً، مشيراً إلى أنّ النقابات العمالية، التي كانت تساهم حينها في تسارع الأجور وارتفاع الأسعار، لم تعد تمثّل جزءاً كبيراً من القوى العاملة في القطاع الخاص اليوم.
لكنّه أشار إلى أنّ حالة عدم اليقين المرتبطة بالرسوم الجمركية قد تؤثّر سلباً على ثقة الشركات والمستهلكين، ما قد يدفع إلى تباطؤ في الإنفاق والاستثمار. واعتبر أنّ احتمال تباطؤ النمو، كأحد أوجه الركود التضخمي، يبقى "مرتفعاً نسبياً".
وأضاف سكالي أنّ "مورغان ستانلي" تتوقّع أن تنعكس التأثيرات بشكل أكبر على سوق الأسهم من خلال نتائج أرباح الشركات، أكثر من تأثيرها على الاقتصاد الكلّي.
وبحسب استطلاع جديد أجرته مجلة Chief Executive، تعيد العديد من الشركات حالياً النظر في توقعاتها الاقتصادية، بما في ذلك احتمال الدخول في ركود اقتصادي، وذلك في ضوء السياسات التي تتّبعها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
من جانبه، أوضح البروفيسور بريت هاوس أنّ الركود التضخمي لا يتطلّب بالضرورة دخول الاقتصاد في حالة ركود رسمي، بل يمكن أن يحدث في ظل تباطؤ أو جمود اقتصادي دون انكماش فعلي في الناتج المحلي.
أما "كي بي إم جي" فتتوقّع حالياً دخول الاقتصاد الأميركي في ركود طفيف، مع بلوغ التضخم ذروته في نهاية الربع الثالث من العام الجاري.
وقالت ديان سونك، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في "كي بي إم جي": "ما نراه حالياً لا يُقارن حتى بما شهده الاقتصاد أثناء الجائحة"، في إشارة إلى موجة التضخم الحالية، لكنها حذّرت من أنّ هذا الارتفاع سيكون كافياً لإبطاء نمو التوظيف وإحداث موجة خفيفة من الركود التضخمي.
وأضاف غريغ داكو، كبير الاقتصاديين في "EY بارثينون" ونائب رئيس الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال: "إذا حدث الركود التضخمي، فسيكون بمثابة الأسوأ من كلا العالمين، ارتفاع في البطالة وارتفاع في التكاليف"، مشيراً إلى أنّ ذلك "سيشكّل عبئاً كبيراً على العائلات والشركات في مختلف أنحاء البلاد".
كيف يمكنك الاستعداد للركود التضخمي؟
قد يكون المستهلكون مقبلين على فترة اقتصادية صعبة، وسط تباطؤ في نمو الدخل، وتراجع في فرص العمل، وارتفاع في معدلات البطالة والأسعار، ما يجعل من الصعب على الأسر تأمين احتياجاتها ضمن ميزانياتها، وفقاً للبروفيسور بريت هاوس.
ولتفادي تداعيات الركود التضخمي، تقول سارة فوستر، المحللة الاقتصادية في "بانكريت"، إنّ على المستهلكين اتخاذ جميع الإجراءات التي يتّبعونها عادةً في فترات الركود، إلى جانب الخطوات المتّبعة عند ارتفاع الأسعار.
ومع توقّع ارتفاع الأسعار بفعل الرسوم الجمركية، قد يُغري ذلك بعض المستهلكين بالإسراع في الشراء، حتى للسلع ذات الكلفة العالية مثل السيارات أو الحواسيب المحمولة أو الهواتف الذكية أو حتى المنازل.
لكن فوستر تنبّه إلى ضرورة التأكد من أنّ هذه المشتريات تتماشى مع الميزانية الشخصية، قبل الإقدام عليها.
وقالت: "من الحكمة فعلاً أن تشتري شيئاً تعرف أنّه قد يتأثّر بالرسوم الجمركية إذا كنت قد خطّطت له مسبقاً في ميزانيتك".
مع ذلك، حذّرت من الوقوع في فخ "الشراء بدافع الهلع"، أي الإنفاق بهدف التوفير، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل.
بدلاً من إرهاق الميزانيات بمشتريات إضافية، يُنصح المستهلكون بإعطاء الأولوية لسداد ديون بطاقات الائتمان ذات الفوائد المرتفعة، وبناء صندوق طوارئ. إذ إنّ التركيز على سداد الديون مرتفعة الفائدة أولاً من شأنه أن يُوفّر المال على المدى الطويل، فيما يوفّر صندوق الطوارئ شبكة أمان مالية عند الحاجة.
ويُوصي الخبراء عموماً بالاحتفاظ بمبلغ يعادل نفقات ستة أشهر على الأقل. وعلى الرغم من صعوبة ادّخار المال في ظل ارتفاع الأسعار، إلا أنّ سارة فوستر تشير إلى أن الفائدة المرتفعة حالياً توفّر عوائد تتجاوز التضخم، عبر حسابات التوفير ذات العوائد المرتفعة.
وبالنسبة للأشخاص الذين احتفظوا بالسيولة النقدية خارج الأسواق خلال الفترة الماضية، يرى دان سكالي، رئيس قسم أبحاث السوق في إدارة الثروات لدى "مورغان ستانلي"، أنّ الوقت قد حان للبدء بتوجيه بعض هذه السيولة نحو الأسهم والأصول ذات المخاطر الأعلى، خصوصاً بعد التراجع الأخير في السوق.
وقال سكالي: "لا تفعل ذلك دفعة واحدة، لكن ابدأ تدريجياً بتقليص حجم السيولة، لأنّ الأسعار الآن أصبحت أكثر عدالة مقارنةً بما كانت عليه قبل شهر أو شهرين".
وأضاف أنّ المستثمرين الذين حققوا أرباحاً كبيرة في الفترة الماضية، قد يكون من الحكمة بالنسبة إليهم إعادة التوازن إلى محافظهم الاستثمارية باتجاه مراكز أكثر حيادية.
هل يمكن أن تتغير التوقعات الاقتصادية؟
لا يوجد ما يضمن أنّ الركود التضخّمي سيحدث فعلاً.
ففي عام 2022، أظهر استطلاع أنّ 80% من الاقتصاديين اعتبروا الركود التضخّمي خطراً طويل الأجل، إلا أنّه تمّ تجنّبه في ذلك الوقت بفضل مزيج من النمو الاقتصادي القوي، وتباطؤ التضخّم، وسوق عمل نشطة، بدعم من سياسات الاحتياطي الفدرالي، بحسب غريغ داكو.
ويُرجع اقتصاديون كثيرون المخاطر الظاهرة في التوقّعات الاقتصادية الحالية إلى السياسات التي تتبعها إدارة البيت الأبيض.
ويرى داكو أنّ إدارة ترامب يمكنها تقليص مخاطر الركود التضخّمي من خلال خفض حالة عدم اليقين المرتبطة بالسياسات، وتخفيف قيود الهجرة التي تؤثّر على المعروض من اليد العاملة، وتجنّب فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين الرئيسيين.
من جانبه، قال بريت هاوس إنّ الاقتصاد الأميركي دخل عام 2025 وهو في حالة أداء جيّد، لكن هذا الأداء بات مهدّداً نتيجة التغييرات الأخيرة في السياسات التي تتبناها إدارة ترامب، مضيفاً أنّ المسؤولية تقع على عاتق الإدارة الحالية لتراجع تلك السياسات و"تمنع حدوث الركود التضخّمي".
ما هي ردة فعلك؟






